|
منتديات اسلامية منتدى اسلامى يشمل خطب والقران الكريم احاديث كل ما يخص الدين الاسلامى |
![]() |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() | المشاركة رقم: 13 | ||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
رحماك ربي المنتدى :
منتديات اسلامية ![]() دولة الخلافة العباسية سميت الدولة العباسية بهذا الاسم، نسبة إلى العباس عم الرسول-صلى الله عليه وسلم-، فمؤسس الدولة العباسية وخليفتها الأول هو أبوالعباس "عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب عم رسول الله" -صلى الله عليه وسلم-، وقد اشتهر أبو العباس بأبى العباس السفاح. كيف آلت الخلافة إلى العباسيين؟ عندما ضعفت الدولة الأموية،تطلع الناس إلى رجل يعود بالأمة إلى الجادة والطريق الصحيح،يرفع عنهم الظلم،ويقيم فيهم العدل،ويرهب بهم الأعداء، فحسبوا أن أصلح الناس لهذا الأمر،رجل يكون من بنى هاشم، فكتبوا فى هذا الشأن إلى "أبى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب" أحد العلماء الثقات،وكان مقيمًا بالشام قريبًا من مركز الخلافة الأموية.. وما لبث أمرتلك المكاتبة أن وصل الخليفة الأموى"سليمان بن عبد الملك"، فخشى أبو هاشم على نفسه -وكانت قد تقدمت به السِّنّ- بطش الخليفة، فانتقل إلى"الحميمة"من أرض الشام؛ حيث يقيم عمه "عليّ السَّجَّاد بن عبدالله بن عباس"، وهناك حضرته منيته، فأوصى إلى"محمد بن على بن عبد الله بن عباس"بما كان من أمرالناس معه، ودفع إليه الكتب التى كتبوها إليه،وقال له:أنت صاحب هذا الأمر،وهو فى ولدك. ثم مات،وكان ذلك فى خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 99هـ/ 718م. وأخذ محمد العباسى فى تنفيذ ما أوصاه به أبوهاشم،فاتصل بالناس،واختارمن بينهم دعاة يخرجون وينتشرون فى ربوع الدولة الأموية،يشهرون بها وينتقدون عيوبها، ويدعون إلى ضرورة أن يتولى أمرالخلافة رجل من آل البيت قادرعلى أن يملأ الأرض عدلا،ووجدت تلك الدعوة صدى عند الناس ورواجًا. ويموت محمد بن على بن عبد الله بن عباس سنة 124هـ/742م، بعدما أوصى ابنه إبراهيم الملقب بالإمام بمواصلة المسيرة. وتأخذ الدعوة العباسية عند إبراهيم الإمام صورة أخرى غيرالتى كانت عليها قبل ذلك،فهى لم تكن منظمة،أما الآن فقد صارلها نظام،وقادة معلومون، من أمثال أبى سلمة الخلال على الكوفة،وأبى مسلم الخراسانى على خراسان. وما تكاد سنة 129هـ/747م، تقبل حتى يصدرأمرالإمام العباسى "إبراهيم بن محمد"أن يكون"أبو مسلم الخراسانى"رئيسًا للدعاة جميعًا فى خراسان وما حولها،وكلَّفه أن يجهر بالدعوة للعباسيين علنًا، وأن يعمل على جعل خراسان قاعدة للانطلاق بقواته ضد البيت الأموى. انتقال الخلافة إلى العباسيين بعد هذا العرض يصبح فى مقدورنا أن نعرف كيف تحولت الخلافة من الأمويين إلى العباسيين. لقد صدرالأمرإلى أبى مسلم بالجهربالدعوة للعباسيين فى عهد آخرخلفاء بنى أمية"مروان بن محمد"،ولم يلبث أبو مسلم أن دخل"مرو"عاصمة خراسان، وكاد أن يستولى عليها إلا أنه لم يتمكن من ذلك هذه المرة،وهنا أسرع الوالى على خراسان من قبل بنى أمية، وهو"نصر بن سيار"يستغيث بمروان بن محمد ويطلب منه مددًا،وينبه رجال الدولة إلى الخطرالمحدق فيقول: أَرى خَلَلَ الرَّمادِ وَميِضَ نــــارٍ ويُوشكُ أن يَكُونَ لَهَا ضِـرَامُ فإن النارَ بالعودين تُذْكــــــى وإن الحربَ مبدؤها كـــــلامُ فقلت من التعجب ليتَ شِعرى أأيقاظ أمية أم نيـــــــــام؟ ولم يهتم بنو أمية بهذا الأمربسبب انشغالهم بصراعات أنصارهم القدماء بشىء،فأدرك أبو مسلم الخراسانى أن الوالى الأموى لن يصبر طويلا، وأن"مرو"ستفتح يومًا ما قريبًا،فأخذ يجمع العرب من حوله، ثم انقضَّ بهم على"مرو"ففتحت له،وهرب واليها"نصر بن سيار"وكان ذلك سنة 130هـ/ 748م. وواصل أبو مسلم فتوحاته،فدانت له"بلخ"و"سمرقند"و"طخارستان"و"الطبسين" وغيرها،وتمكن من بسط سيطرته ونفوذه على خراسان جميعًا، وراح يتطلع إلى غيرها، وكان كلما فتح مكانًا أخذ البيعة من أهله على كتاب الله -عز وجل-وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-"وللرضا من آل محمد"، أى يبايعون إمامّا مرضيًا عنه من آل البيت من غيرأن يعِّيَنهُ لهم. والواقع أن بنى أمية كانوا نيامًا فى آخرعهدهم،لا يعلمون من أمرالقيادة الرئيسية لهذه الدعوة العباسية شيئًا،ولما وقع فى يد الخليفة(مروان بن محمد) كتاب من "الإمام إبراهيم العباسى"يحمل تعليماته إلى الدعاة،ويكشف عن خطتهم وتنظيمهم، كان منشغلا بتوطيد سلطانه المتزعزع وقمع الثائرين ضده،واكتفى الخليفة "مروان بن محمد"بأن أرسل إلى القائم بالأمر فى دمشق للقبض على الإمام "إبراهيم بن محمد" "بالحميمة"وإيداعه فى السجن،وتم القبض عليه وأودع السجن، فظل به حبيسًا إلى أن مات فى خلافة مروان بن محمد سنة 132هـ/750م. ولما علم"إبراهيم"بالمصير الذى ينتظره،وعلم أن أنصاره ومؤيديه قد واصلوا انتصاراتهم،وأن الكوفة قد دانت لهم وصارت فى قبضتهم أوصى لأخيه "أبى العباس"بالإمامة طالبًا منه أن يرحل إلى الكوفة ومعه أهل بيته؛ لينزل على داعى العباسيين بها وهو"أبو سلمة الخلال"فهناك يكون فى مأمن من رقابة الأمويين وسلطانهم مبايعة أبى العباس وهناك فى الكوفة-بعد قليل من وصول آل العباس إليها- تمت مبايعة أبى العباس خليفة للمسلمين،وتوجه"أبو العباس"إلى مسجد الكوفة عقب مبايعته بالخلافة فى الثانى عشرمن ربيع الأول سنة 132هـ/ 750م، وألقى على الملأ خطبة كانت بمثابة الإعلان الرسمى عن قيام الدولة العباسية، ومما جاء فى تلك الخطبة: "الحمد لله الذى اصطفى الإسلام لنفسه،وكرمه وشرفه وعظَّمه،واختاره لنا، زعم الشامية أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا،شاهت وجوههم، بِمَ ولم أيها الناس؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم،وبصرهم بعد جهالتهم،وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهربنا الحق،ودحض الباطل،وأصلح بنا منهم ما كان فاسدًا،ورفع بنا الخسيسة، وتمم النقيصة،وجمع الفرقة،حتى عاد الناس بعد العداوة أهل التعاطف والبر والمواساة فى دنياهم،وإخوانًا على سرر متقابلين فى آخرتهم،فتح الله ذلك -مِنَّةً وبهجة-لمحمد-صلى الله عليه وسلم،فلما قبضه الله إليه، وقام بالأمرمن بعده أصحابه،وأمرهم شورى بينهم،حَوَوْا مواريث الأمم، فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها،وخرجوا خماصًا منها، ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزُّوها وتداولوها،فجاروا فيها واستأثروا بها، وظلموا أهلها،وقد أملى الله لهم حينًا حتى آسفوه،فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا، وتدارك بنا أمتنا،وَوَلِىَ نصرنا والقيام بأمرنا،لَيمُنَّ بنا على الذين استضعفوا فى الأرض،فختم بنا كما افتتح بنا،وإنى لأرجوألا يأتيكم الجورمن حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح،وماتوفيقنا أهل البيت إلا بالله، فاستعدوا أيها الناس،فأنا السَّفَّاح المبيح والثائرالمنيح (يقصد أنه كريم جواد)". ومن هذه المقولة التصقت به صفة السفاح،فقيل أبو العباس السفاح، مع أنه ما قصد ذلك المعنى الذى شاع على الألسنة. لقد أعلنها صريحة مدوية فى الآفاق بينما كان"مروان بن محمد" آخرخلفاء بنى أمية يجلس على كرسى الخلافة، فكيف تمت المواجهة بين هؤلاء وأولئك؟ وكيف تحققت الغلبة للعباسيين؟ اللقاء الحاسم يالها من لحظات حاسمة فى تاريخ الأمم والشعوب، إن شمس الأمويين الغاربة تؤذن بالزوال، بينما شمس العباسيين فى صعود، وهذه هى الدنيا،فيوم لنا ويوم علينا،والأيام دُوَل. وكان اللقاء الحاسم بين الأمويين والعباسيين على أحد فروع دجلة بالقرب من الموصل وهو"نهر الزَّاب الأعلى". فجيش العباسيين يقوده عم الخليفة،وهو"عبد الله بن على"، بينما يقود جيش الأمويين الخليفة نفسه"مروان بن محمد". كان ذلك يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة 132هـ/ 750م، ولم يجد "مروان" أمام جحافل العباسيين إلا أن يفر إلى"دمشق" مهزومًا أمام مطاردة"عبد الله بن على". لقد راح يُطارده،فاستولى على"دمشق"،واستولى على مدن الشام واحدة بعد الأخرى،وكان استسلام دمشق العاصمة معناه سقوط دولة بنى أمية،وانتهاء عهدها كعاصمة للدولة الإسلامية، لكن مروان قد فرّ إلى مصر وتوجه إلى صعيدها،وقرب الفيوم، عند قرية "أبوصير" أُلقِىَ القبضُ عليه،وقُتِلَ بعدما ظل هاربًا ثمانية أشهر، يفرمن مكان إلى مكان.ومضى عهد،وأقبل عهد جديد، وسيظل عام 132هـ/ 750م فاصلا بين عهدين، وتاريخًا لا يُنسى. يُتبع ،،، | ||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 14 | ||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
رحماك ربي المنتدى :
منتديات اسلامية ![]() عصور الخلافة العباسية بدأت الدولة الجديدة سنة 132هـ/ 750م، وقد بلغ عدد خلفائها نحو سبعة وثلاثين خليفة، تعاقبوا على التوالى حكم هذه الدولة التى طال عمرها،واختلفت عصورها، وامتدت حتى سنة 656هـ/ 1100م ؛حيث سقطت على أيدى التتار، بعد أن عاشت خمسة قرون وربع قرن ؛اختلفت فيها العصور قوة وضعفًا! فكيف كانت البداية؟ وكيف كانت النهاية؟ .................................. العصر العباسى الأول ( 132 - 232هـ / 750 - 847م ) اشتمل العصرالعباسى الأول على عهود تسعة خلفاء، بدأ حكمهم بأبى العباس السفاح، وانتهى بتاسع الخلفاء العباسيين وهوالخليفة الواثق الذى توفى سنة 232هـ/ 847م. والعصرالعباسى الأول هو العصرالذهبى للدولة العباسية، فقد استطاع أولئك الخلفاء التسعة واحدًا بعد الآخرتحقيق ثلاثة منجزات كبرى،هى: * تأكيد قوة الخلافة العباسية،والقضاء على كل المحاولات التى كان هدفها النيل من تلك الخلافة وسلطانها. * إقامة حكم إسلامى تحققت فيه المساواة بين جميع الشعوب الإسلامية. * رعاية الحضارة الإسلامية، فهم الذين أتاحوا لها الازدهار والانتشار. .................................... خلافة أبى العباس السفاح ( 132 - 136هـ / 750 - 754 م) هوعبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم. ولم تطل مدة خلافته،إنما هى سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة. إنتشار الإسلام فقد سكن الكوفة،ثم تركها وأقام بالحيرة، ثم اختارمدينة"الأنبار" فبنى بها قصورًا وأحب الإقامة بها،وظل فيها حتى توفى. وكان لابد من تأمين الحدود،ورفع راية الإسلام ونشره فى ربوع الأرض لتصبح كلمة الله هى العليا،فبدأت من جديد تلك الحملات لتأديب الروم أعداء الإسلام والمسلمين. عقد أبوالعباس لعبد الله بن على أمرهذه المهمة سنة 136هـ/ 754م، فقاد عبد الله جيشًا من أهل الشام وخراسان. ولم يقف الأمرعند هذا الحد،بل سيطرالجيش الإسلامى فى عصره من جديد على بلاد ما وراء النهر، وهى المنطقة الواقعة فى حوض نهرى جيحون وسيحون مما يعرف الآن بالجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى التى استقلت عن الاتحاد السوفيتى مؤخرًا. قمع الثورات ولم يخل عهده من ثورات قام بها بعض قواد الأمويين فى أول عهده بالخلافة وفى آخره،فقضى على ثورة"أبى الورد"الذى انضم إليه أهل"قنسرين"، و"حمص"، و"دمشق"، وكان ذلك عام تولّيه الحكم. وفى آخر عهده،أعلن أهل دمشق تمردهم على خلافة العباسيين سنة 136 هـ، وبايعوا أحد الأمويين،ولكنهم ما لبثوا أن هربوا أمام الجيش العباسى الذى داهمهم وطاردهم. ويموت أبو العباس فى هذا العام بعد أن أوصى لأخيه"أبى جعفرالمنصور" بالخلافة من بعده. .................................... يتبع ،،، | ||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 15 | ||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
رحماك ربي المنتدى :
منتديات اسلامية ![]() خلافة أبى جعفر المنصور (136 - 158هـ/ 754 - 775م) يعتبرأبو جعفر المنصورالمؤسس الحقيقى لدولة بنى العباس وإن تولَّى الخلافة بعد أخيه أبى العباس(سنة 136هـ/ 754م). ترى لماذا يُعَدُّ أبوجعفرالمنصورالمؤسس الأول على الرغم من أنه الخليفة العباسى الثانى؟ إن "أبا جعفر المنصور" بذل جهودًا عظيمة لتدعيم الأسرة العباسية فى الحكم، وإعلاء شأن الخلافة،وإضفاء روح المهابة والإجلال على الدولة فى الداخل والخارج. لقد بُويع بالخلافة بعد عودته من الحج ووفاة أخيه أبى العباس،بايعه أهل العراق وخراسان وسائرالبلاد سوى الشام التى كان عمه"عبد الله بن على" أميرًا عليها، فقد رفض مبايعته إعتقادًا منه بأنه أولى بالخلافة، فما كان من أبى جعفرإلا أن أرسل إليه القائد"أبا مسلم الخراسانى"ومعه جماعة من أمراء بنى العباس فهزموهم هزيمة منكرة،وخضعت بلاد الشام لأبى جعفر. نهاية أبى مسلم الخراسانى وبدأ الجو يصفولأبى جعفربعد مقتل عمه "عبد الله"إلا من بعض الإزعاج الذى كان يسببه له أبو مسلم الخراسانى؛وبسبب مكانته القوية فى نفوس أتباعه،واستخفافه بالخليفة المنصور،ورفضه المستمر للخضوع له؛فأبو مسلم يشتد يومًا بعد يوم، وساعده يقوى،وكلمته تعلو،أما وقد شم منه رائحة خيانة فليكن هناك ما يوقفه عند حده،وهنا فكرالمنصورجديّا فى التخلص منه. وقد كان،فأرسل إلى أبى مسلم حتى يخبره أن الخليفة ولاه على مصروالشام، وعليه أن يوجه إلى مصرمن يختاره نيابة عنه،ويكون هو بالشام ؛ ليكون قريبًا من الخليفة وأمام عينيه وبعيدًا عن خراسان؛حيث شيعته وموطن رأسه، إلا أن أبا مسلم أظهر سوء نيته،وخرج على طاعة إمامه،ونقض البيعة، ولم يستجب لنصيحة أحد،فأغراه المنصورحتى قدم إليه فى العراق، وقتله فى سنة 137هـ/ 756م، ولأن مقتل رجل كأبى مسلم الخراسانى قد يثير جدلا كبيرًا،فقد خطب المنصور مبينًا حقيقة الموقف،قال: "أيها الناس،لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية،ولا تمشوا فى ظلمة الباطل بعد سعيكم فى ضياء الحق،إن أبا مسلم أحسن مبتدئًا وأساء معقبًا، فأخذ من الناس بنا أكثرمما أعطانا،ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره، وعلمنا من خبيث سريرته وفساد نيته ما لوعلمه اللائم لنا فيه لعذرنا فى قتله، وعنفنا فى إمهالنا،فما زال ينقض بيعته،ويخفرذمته حيث أحل لنا عقوبته، وأباحنا دمه،فحكمنا فيه حكمه لنا فى غيره،ممن شق العصا، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه". ومع ذلك فلم تهدأ الأمور،ولم يصفُ الجو لأبى جعفرالمنصوركما كان يتوقع. ثورة سُنباد كان ممن غضب لمقتل أبى مسلم الخراسانى،رجل مجوسى اسمه"سُنباد"، فثار والتف حوله الكثيرون من أهل"خراسان"،فهجموا على ديارالمسلمين فى "نيسابور"و"قومس"و"الرى"،فنهبوا الأموال وقتلوا الرجال وسبوا النساء، ثم تبجحوا،فقالوا:إنهم عامدون لهدم الكعبة،فأرسل إليهم المنصورجيشًا بقيادة جمهورابن مرارالعجلى،فهزمهم واستردَّ الأموال والسبايا،ولا يكاد أبوجعفر يتخلص من"سنباد"سنة 137هـ/ 756م،حتى واجه ثائرًا ينادى بخلع المنصور.. تعلمون من هو؟! إنه"جمهوربن مرارالعجلي" قائد جيوش المنصورالتى هزمت"سنباد"..فكيف كان هذا؟ لما هزم"جمهور" سنباد،واسترد الأموال،كانت خزائن أبى مسلم الخراسانى من بينها،فطمع"جمهور"،فلم يرسل المال إلى الخليفة المنصور،بل ونقض البيعة ونادى بخلع المنصور، فماذا كان؟ أرسل المنصورالقائد الشجاع "محمد بن الأشعث"على رأس جيش عظيم، فهزم"جمهورًا"وفر هاربًا إلى"أذربيجان"، وكانت الموقعة فى سنة 137هـ/ 756م. ثورات الخوارج ترى هل صفا الجو للمنصوربعد هذا ؟ لا.. فلقد كانت هناك ثورات وثورات تهدد الحياة وتحول دون الاستقراروالأمن. كما كانت هناك ثوارت للخوارج الذين أصبحوا مصدرإزعاج للدولة العباسية. لقد خرج آنذاك"مُلَبّد بن حرملة الشيبانى"فى ألف من أتباعه بالجزيرة من العراق، وانضم إليه الكثيرون،فغلب بلادًا كثيرة،إلى أن تمكنت جيوش المنصوربقيادة خازم بن خزيمة من هزيمته فى سنة 138هـ/ 757م. وتحرك الخوارج مرة ثانية فى خلافة المنصورسنة 148هـ بالموصل تحت قيادة"حسا بن مجالد الهمدانى"، إلا أن خروجه هو الآخر قد باء بالفشل. وواجه الخليفة المنصورالعباسى ثورات منحرفة لطوائف من الكافرين، ففى سنة 141هـ/ 759م.. واجه المنصور ثورة أخرى لطائفة من الخوارج يقال لها"الراوندية" ينتسبون إلى قرية"راوند" القريبة من أصفهان. إنهم يؤمنون بتناسخ الأرواح،ويزعمون أن روح آدم انتقلت إلى واحد يسمى "عثمان بن نهيك"وأن جبريل هوالهيثم بن معاوية-رجل من بينهم-، بل لقد خرجوا عن الإسلام زاعمين أن ربهم الذى يطعمهم ويسقيهم هو "أبو جعفر المنصور"، فراحوا يطوفون بقصره قائلين:هذا قصر ربنا. ولم يكن ينفع هؤلاء إلا القتال، فقاتلهم المنصورحتى قضى عليهم جميعًا بالكوفة. ثورة محمد"النفس الزكية" من أخطرالثورات التى واجهت المنصورخروج محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على، وكان من أشراف بنى هاشم علمًا ومكانة،وكان يلقب بـ"النفس الزكية" فاجتمع العلويون والعباسيون معًا وبايعوه أواخرالدولة الأموية، وكان من المبايعين"المنصور"نفسه،فلما تولى الخلافة لم يكن له هم إلا طلب محمد هذا خشية مطالبته بطاعة هؤلاء الذين بايعوه من قبل،وهنا خرج"محمد" النفس الزكية بالمدينة سنة 145هـ/763م، وبويع له فى كثيرمن الأمصار. وخرج أخوه"إبراهيم"بالبصرة،واجتمع معه كثير من الفقهاء،وغلب أتباعه على "فارس"و"واسط"و"الكوفة"،وشارك فى هذه الثورة كثيرمن الأتباع من كل الطوائف. وبعث المنصورإلى"محمد النفس الزكية"يعرض عليه الأمن والأمان له ولأولاده وإخوته مع توفيرما يلزم له من المال،ويرد"محمد"بأن على المنصورنفسه أن يدخل فى طاعته هو؛ليمنحه الأمان. وكانت المواجهة العسكرية هى الحل بعد فشل المكاتبات،واستطاعت جيوش أبى جعفرأن تهزم"النفس الزكية"بالمدينة وتقتله،وتقضى على أتباع إبراهيم فى قرية قريبة من الكوفة وتقتله. ثورة كافر خراسان ويظل مسلسل الثورات يتوالى على مرالأيام، ففى سنة 150هـ يخرج أحد الكفرة ببلاد خراسان ويستولى على أكثرها، وينضم له أكثرمن ثلاثمائة ألف،فيقتلون خلقًا كثيرًا من المسلمين، ويهزمون الجيوش فى تلك البلاد،وينشرون الفساد هنا وهناك، ويبعث أبوجعفرالمنصوربجيش قوامه أربعون ألفا بقيادة"خازم بن خزيمة"، فيقضى على هؤلاء الخارجين،وينشر الأمن والاستقرارفى ربوع خراسان. بناء بغداد وراح المنصوريواصل ما بدأ به.. راح يبنى ويعمربعد أن خَلا الجو،ودانت له البلاد والعباد،لقد فكر-منذ توليه- فى بناء عاصمة للدولة العباسية يضمن من خلالها السيطرة على دولته، وإرساء قواعدَ راسخة لها. فشرع فى بناء بغداد سنة 145هـ على الضفة الغربية لنهردجلة عند أقرب نقطة بين دجلة والفرات،لتصبح ملتقى الطرق القادمة من الشام شمالا، ومن الصين شرقًا،ومن طوائف مصر،ومن الحجازجنوبًا،إلى جانب موقعها العسكرى الخطير، فهى بين نهرى الفرات ودجلة،فلا وصول إليها إلا على جسرأوقنطرة، فإذا قطع الجسروخربت القنطرة لم يتمكن معتدٍ من الوصول إليها، ولبغداد مزايا أخرى عديدة،أغرت المنصوربالإسراع فى بنائها،فراح أبوجعفر يأمر بإحضارالفعلة والصناع من بلاد العالم؛ليحققوا نهضة،وليقيموا حضارة، وليصنعوا المستقبل لدولة الإسلام والمسلمين.وكان مِنْ بين مَنْ استعان بهم المنصورفى ضبط العمل ببغداد:الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان. ووضع المنصوربنفسه أول لبنة وهو يقول:باسم الله،والحمد لله،وإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.ثم قال:ابنوا على بركة الله. وكان الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان هو القائم على بناء المدينة والمتولى لضرب اللبن.وأصبحت بغداد عاصمة لها شأنها بين عواصم العالم. وكانت بغداد تتمتع بالطرق الواسعة النظيفة التى تمتد إليها المياه من فروع نهردجلة فى قنوات مخصوصة تمتد بالشوارع صيفًا وشتاءً،وكانت شوارعها تكنس كل يوم، ويحمل ترابها خارجها،وعيَّن المنصورعلى أبوابها جندًا يحفظون الأمن بها، فصانها وحفظ لها نظامها ونظافتها من الداخل،وقد فرغ من بناء بغداد وسورها وأسواقها وخندقها بعد 4 سنوات أى سنة 149هـ/ 766م. وأمام كثرة النازحين إلى عاصمة الخلافة أجمل مدن العالم آنذاك، كان لابد أن يهتمَّ المنصورببناء سوق يضم أصحاب الصناعات والتجاروالباعة. وفعلا بنيت"الكرخ"سنة 157هـ/ 774م لتظل عاصمة الخلافة محتفظة بجمالها وسحرها وتألقها. وكانت الكرخ سوقًا نموذجية،فلكل تجارة سوق خاصة بها،ولم يبقَ إلا أن يبنى المنصورمسجدًا جامعًا يجتمعون فيه حتى لايدخلوا بغداد،فبنى للعامة جامعًا، وهوغيرجامع المنصورالذى كان يلى القصر، وفى سنة 151هـ/ 768م يبنى المنصورمدينة أخرى لابنه المهدى على الضفة الشرقية لنهر دجلة وهى مدينة"الرصافة"ثم بنى"الرافقة" وكانت هاتان المدينتان صورة من بغداد. العدل أساس الملك وإلى جانب هذه النهضة العمرانية راح المنصوريسهرعلى تنفيذ طائفة من الإصلاحات الداخلية على مستوى الدولة العباسية كلها. وإذا كان العدل أساس الملك،فإن الذين يقومون على العدل ينبغى أن يتم اختيارهم بعيدًا عن الهوى والمصالح. روى أن"الربيع ابن يونس"وزير"أبى جعفر"قال له ذات يوم:إن لفلان حقّا علينا؛ فإن رأيت أن تقضى حقه وتوليه ناحية.فقال المنصور:يا ربيع، إن لاتصاله بنا حقّا فى أموالنا لا فى أعراض الناس وأموالهم.ثم بين للربيع أن لا يولى إلا الأكفاء،ولا يؤثرعليهم أصحاب النسب والقرابة.وكان يقول: ما أحوجنى أن يكون على بابى أربعة نفر،لا يكون على بابى أعف منهم، هم أركان الدولة،ولا يصلح الملك إلا بهم: أما أحدهم:فقاض لا تأخذه فى الله لومة لائم. والآخر:صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى. والثالث:صاحب خراج، يستقضى ولا يظلم الرعية، فإنى عن ظلمها غنى. ثم عض على إصبعه السبابة ثلاث مرات،يقول فى كل مرة:آه.آه.قيل: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال:صاحب بريد يكتب خبر هؤلاء على الصّحَّة (رجل يخبرنى بما يفعل هؤلاء لا يزيد ولا ينقص). هكذا كان المنصورحريصًا على إقامة العدل، ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، وإلى جانب هذا،فقد كان يراقب عماله وولاته على الأقاليم، ويتتبع أخبارهم أولا بأول،ويتلقَّى يوميّا الكتب التى تتضمن الأحداث والوقائع والأسعار ويبدى رأيه فيها،ويبعث فى استقدام من ظُلم ويعمل على إنصافه متأسيًا فى ذلك بما كان يفعل الخليفة الثانى عمربن الخطاب-رضى الله عنه-! العناية بالمساجد وأعطى المنصوركل العناية للمساجد، خاصة المسجد الحرام،فعمل على توسعته سنة 140هـ وسار إلى بيت المقدس بعد أن أثرفيه ذلك الزلزال الذى حدث بالشام، فأمربإعادة بنائه مرة أخرى، وبنى المنصورمسجدًا بمنى وجعله واسعًا،يسع الذين يقفون فى منى من حجاج بيت الله،وشهدت مدن الدولة الكبرى نهضة إنشائية وعمرانية، روعى فيها بناء العديد من المساجد فى البصرة والكوفة وبغداد وبلاد الشام وغيرها من أقاليم الدولة. العناية بالاقتصاد يذكرالتاريخ للمنصور-إلى جانب هذه النهضة الإصلاحية العمرانية- اهتمامه بالزراعة والصناعة وتشجيعه أصحاب المهن والصناعات، وتأمينه خطوط التجارة والملاحة فى الخليج العربى حتى الصين من خطر القراصنة الهنود الذين كانوا يقطعون طرق التجارة،ويقتلون التجار، ويستولون على الأموال،وراح قُواده يؤدبون هؤلاء اللصوص. وكثيرًا ما يعود قواد البحر بالغنائم والأسرى حتى انقطعت القرصنة بعد سنة 153هـ/ 770م،ولقد تم فى عهده إعادة فتح"طبرستان" سنة 141هـ/ 759م، فيما وراء النهر. العناية بالحدود أعطى المنصوراهتمامًا بالغًا بجهة الشمال؛فراح يأمربإقامة التحصينات والرباطات على حدود بلاد الروم الأعداء التقليديين للدولة الإسلامية. وكانت الغزوات المتتابعة سببًا فى أن ملك الروم راح يطلب الصلح،ويقدم الجزية صاغرًا سنة 155هـ.ولا ننسى للمنصورحملته التأديبية على قبرص لقيام أهلها بمساعدة الروم،ونقضهم العهد الذى أخذوه على أنفسهم يوم أن فتح المسلمون قبرص. هذا هو"المنصور"، وهذه هى إصلاحاته فى الداخل والخارج رحمه الله رحمة واسعة، لقد كان يعرف لنفسه حقها،وللناس حقهم،ولربه حقه. وصية المنصور لقد ذهب ليحج سنة 158هـ/ 775م، فمرض فى الطريق، وكان ابنه محمد"المهدى" قد خرج ليشيعه فى حجه،فأوصاه بإعطاء الجند والناس حقهم وأرزاقهم ومرتباتهم،وأن يحسن إلى الناس،ويحفظ الثغور، ويسدد دينًا كان عليه مقداره ثلاثمائة ألف درهم،كما أوصاه برعاية إخوته الصغار، وقبل أن يدخل مكة لقى ربه ليقول له:إننى تركت خزانة بيت مال المسلمين عامرة،فيها ما يكفى عطاء الجند ونفقات الناس لمدة عشرسنوات. رحمه الله،كان يلبس الخشن،ويرقع القميص ورعًا وزهدًا وتقوى، ولم يُرَفى بيته أبدًا لهوولعب أو ما يشبه اللهو واللعب، ويذهب المنصورإلى رحمة الله بإذنه تعالى. وتعالوا بنا نقرأ وصية أبى جعفرالمنصورلولده وولى عهده المهدى، قال المنصورلولده المهدى: "ولدت فى ذى الحجة،ووليت فى ذى الحجة،وقد هجس فى نفسى أنى أموت فى ذى الحجة من هذه السنة،وإنما حدانى على الحج ذلك،فاتق الله فيما أعهد إليك من أمورالمسلمين بعدى،يجعل لك فى كربك وحزنك فرجًا ومخرجًا، ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب. يا بنى:احفظ محمدًا-صلى الله عليه وسلم-فى أمته،يحفظك الله،ويحفظ عليك أمورك،وإياك والدم الحرام،فإنه حوبٌ(إثم)عند الله عظيم،وعارفى الدنيا لازم مقيم، والزم الحدود،فإن فيها خلاصك فى الآجل،وصلاحك فى العاجل،ولا تعتد فيها فتبور، فإن الله تعالى لو علم شيئًا أصلح منها لدينه وأزجرعن معاصيه لأمرٍ به فى كتابه. واعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه،أنه أمرفى كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى فى الأرض فسادًا،مع ما ادّخرله عنده من العذاب العظيم،فقال: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [المائدة: 33]. فالسلطان يا بنى حبل الله المتين،وعروته الوثقى،ودينه القيم،فاحفظه وحصنه، وذُبَّ عنه،وأوقع بالملحدين فيه،وأقمع المارقين منه،واقتل الخارجين عنه بالعقاب، ولا تجاوز ما أمر الله به فى محكم القرآن،واحكم بالعدل ولا تشطط؛فإن ذلك أقطع للشغب،وأحسم للعدو،وأنجع فى الدواء،وعفّ عن الفىء،فليس بك إليه حاجة مع ما خلفه الله لك،وافتتح عملك بصلة الرحم وبر القرابة،وإياك والأثرة والتبذير لأموال الرعية،واشحن الثغور،واضبط الأطراف،وأمّن السبل،وسكن العامة، وأدخل المرافق عليهم،وادفع المطاردة عنهم،وأعد الأموال واخزنها،وإياك والتبذير، فإن النوائب غير مأمونة،وهى من شيم الزمان،وأعد الكراع والرجال والجند ما استطعت،وإياك وتأخيرعمل اليوم إلى الغد،فتتدارك عليك الأموروتضيع، جد فى إحكام الأمورالنازلات لأوقاتها أولا فأولا،واجتهد وشمر فيها،وأعد رجالا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار،ورجالا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل،وباشرالأمور بنفسك، ولا تضجرولا تكسل،واستعمل حسن الظن بربك،وأسئ الظن بعمالك وكتَّابك، وخذ نفسك بالتيقظ ،وتفقد من تثبت على بابك،وسهِّل إذنك للناس،وانظر فى أمر النزاع إليك،ووكل بهم عينًا غيرنائمة،ونفسًا غيرلاهية،ولا تنم،وإياك،فإن أباك لم ينم منذ ولى الخلافة،ولا دخل عينه النوم إلا وقلبه مستيقظ. يا بنى:لا يصلح السلطان إلا بالتقوى،ولا تصلح الرعية إلا بالطاعة،ولا تعمر البلاد بمثل العدل،هذه وصيتى إليك،والله خليفتى عليك". رحم الله الخليفة أبى حعفر المنصور فى الصالحين يتبع إن شاء الله ،،، | ||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 16 | ||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
رحماك ربي المنتدى :
منتديات اسلامية ![]() خلافة المهدى ( 158- 169هـ/ 775- 786م) ويأتى محمد المهدى بعد أبيه بعد أن بايعه الناس بالخلافة، لقد كان المهدى وليّا للعهد فى خلافة والده المنصور،وكثيرًا ما كان يتلقى توجيهاته ونصائحه وإرشاداته،وما زالت كلمات أبيه ترن فى أذنه: "إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى،والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.يابنى،استدم النعمة بالشكر، والقدرة بالعفو، والطاعة بالتأليف، والنصر بالتواضع والرحمة للناس، ولا تنس نصيبك من الدنيا، ونصيبك من رحمة الله". استكمال الإصلاحات وسارالمهدى على نهج أبيه المنصورفى القيام بالإصلاحات الداخلية، وتأمين الحدود،وعمارة المساجد،وعلى رأسها المسجد الحرام. ولم يفته أن يأمربحفر نهربالبصرة يحيى به الأرض الموات،ويسهم فى توفيرالقوت، ولقد أحسن إلى العلويين وإلى غيرهم ممن لهم أهداف سياسية، فأطلق سراح من كان منهم فى السجون سنة 159هـ/ 776م، وكان لهذا أثره فى الاستقراروالهدوء فلم يخرج عليه أحد من العلويين! ولقد أتيح له أن يقضى على ثلاث ثورات،قام بها أفراد انضم إليهم كثير من الخوارج،اثنتين فى خراسان والثالثة"بقنسرين"من أرض الشام. وراح يواصل تأمين طرق التجارة إلى الهند،وانطلقت فى خلافته الجيوش الإسلامية الفاتحة فى اتجاه الروم؛ ففى سنة 165هـ/ 782م بلغت جيوشه بقيادة ابنه"هارون الرشيد"خليج "القسطنطينية"،وجرت الرسل والسفراء بينه وبين الإمبراطورة الرومانية"إيرين" فى طلب الصلح فى مقابل فدية تقدم للدولة الإسلامية سنويّا مقدارها سبعون ألف دينار، واشترط الرشيد على ملكة الروم تعيين أدلاء له،وإقامة الأسواق فى طريق عودته،وكانت مدة الهدنة ثلاث سنين. تأمين الحدود كما أرسل عام 167هـ ولى عهده الهادى إلى"جرجان"فى جيش كثيف لم يُرَمثله. إن الجيش الإسلامى فى عهد المهدى كان له وجوده على حدود الروم، حتى لقد قام أميرالبرالشامى بغزوتين بحريتين فى اتجاه الروم سنة 160هـ/ 777م، و161هـ/ 778م، ولقد قضى على الإلحاد والزندقة فى عهده..،لم تأخذه فى ذلك لومة لائم، ومن شابه أباه فما ظلم. ورع المهدى وحدث فى خلافته أن أصاب الناس ريح شديدة ظنوا معها قيام الساعة، وأخذ القواد فى البحث عن المهدى فوجدوه واضعًا خده على الأرض وهو يقول: "اللهم احفظ محمدًا فى أمته !اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم ! اللهم إن كنتَ أخذتَ هذا العالم بذنبى فهذه ناصيتى بين يديك!". واستمر المهدى فى دعائه وتضرعه حتى انكشفت الريح، وعاد الأمرإلى وضعه الصحيح. وتتبع المهدى الزنادقة والملحدين أعداء الدين، وأمر بتصنيف كتب الجدل للرد عليهم. أمن وعطاء وأشاع عهدًا من السلام بينه وبين العلويين، ولقد سار بالخلافة على الخطة التى وضعها له أبوه، ينظر فى الدقائق من الأمور،ويُظْهِر أبَّهة الوزراء. وكان المهدى أول من جلس للمظالم من بنى العباس،يقيم العدل بين المتظالمين، ومشى على أثره من بعده الهادى والرشيد والمأمون، وكان"المهتدى"آخرمن جلس للنظر فيها، وبسط "المهدى" يده فى العطاء،فأذهب جميع ما خلفه المنصور، وأجرى المهدى الأرزاق على المجذومين وأهل السجون فى جميع الآفاق، وأمر بإقامة البريد بين مكة والمدينة واليمن وبغداد ببغال وإبل، وقد وجد البريد من عهد عمر بن الخطاب،والذى فعله المهدى مزيد من التنظيم له، قال رجل للمهدى:عندى لك نصيحة يا أمير المؤمنين. فقال:لمن نصيحتك هذه ؟ لنا أم لعامة المسلمين أم لنفسك؟ قال:لك يا أمير المؤمنين. قال:ليس الساعى بأعظم عورة،ولا أقبح حالا ممن قَبِل سعايته، ولا تخلو من أن تكون حاسد نعمة،فلا نشفى غيظك، أو عدوّا فلا نعاقب لك عدوك. ثم أقبل على الناس فقال:لا ينصح لنا ناصح إلا بما فيه رضا لله، وللمسلمين صلاح. وما تكاد سنة 169هـ/ 786م تقبل حتى توفى المهدى -رحمه الله -رحمة واسعة. وتولى الخلافة من بعده الخليفة موسى الهادى. خلافة موسى الهادى ( 169 - 170هـ / 786 - 787م) أوصى المهدى ابنه موسى الهادى قبل أن يموت بقتل الزنادقة، وكان الهادى قوى البأس شهمًا خبيرًا بالملك كريمًا.فجدَّ فى أمرهم، وقتل منهم الكثير. على أن الأمور بينه وبين العلويين لم تكن على ما يرام كما كانت فى عهد أبيه، فقد عادت إلى التوتر بعد فترة السلام التى امتدت طوال فترة خلافة المهدي. ويرجع السبب فى ذلك إلى عامل المهدى على المدينة، فقد ظلم بعض آل على-رضى الله عنه- مما جعل الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب يثورويجتمع حوله كثيرون ويقصدون دارالإمارة،ويخرجون من فى السجون، ثم يخرج الحسين إلى مكة فيرسل له الهادى:"محمد بن سليمان"وتتلاقى جموعهم فى موقعة حاسمة قتل فيها"الحسين"وحمل رأسه إلى موسى الهادى. ونجا من موقعة"الفخ"اثنان من العلويين أحدهما:يحيى بن عبد الله بن الحسن، أما الثانى فهو أخوه إدريس بن عبد الله. وقد ثارالأول فى عهد الرشيد فقتل أما الثانى وهو إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن فقد تمكن من إثارة أهل المغرب الأقصى(المملكة المغربية حاليّا)على العباسيين، حيث أسس هناك دولة الأدارسة. وعلى الرغم من أن خلافة موسى الهادى كانت قصيرة فإن الفتوحات الإسلامية لم تتوقف مسيرتها؛ فقد غزا"معيوف بن يحيى"الروم ردّا على قيام الروم بغزو حِمْص"الحَدَث"،ولقد دخل معيوف بلاد الروم، وأصاب سبايا وأسارى وغنائم. ولقى الهادى ربه سنة سبعين ومائة هجرية، وكان رحمه الله موصوفًا بالفصاحة،محبّا للأدب ذا هيبة ووقار، قيل عن الليلة التى مات فيها: هى ليلة مات فيها خليفة وجلس فيها خليفة،وولد خليفة. فالخليفة الذى مات فيها هوالهادى،والذى جلس فيها على سريره هوالرشيد، والذى ولد فيها هوالمأمون. يُتبع إن شاء الله ،،، | ||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 17 | ||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
رحماك ربي المنتدى :
منتديات اسلامية ![]() خلافة هارون الرشيد الخليفة المفترى عليه (170 - 193هـ/ 788 - 810م) لقد سارالرشيد في إدارته على نهج قويم، وأعاد إلى الخلافة مجدها الذى كان لها على عهد جده المنصور، وما كان مسرفًا ولا بخيلا،وسمى الناس أيامه"أيام العروس"لنضارتها وكثرة خيرها وخصبها،وكانت دولته من أحسن الدول وأكثرها وقارًا ورونقًا وأوسعها مملكة، واتسعت الدولة الإسلامية فى عهد الرشيد،وجاءه الخيرمن كل مكان،وعين الرشيد يحيى بن خالد البرمكى،وجعله كبير وزرائه،وقال له:قد قلدتك أمر الدولة، وأخرجته من عنقى إليك،فاحكم فى ذلك بما ترى من الصواب،واستعمل من رأيت، واعزل من رأيت،وأمض الأمورعلى ما ترى.وسلَّم إليه خاتم الخلافة. إدارة حكيمة أما الولايات فقد فوضها إلى أمراء جعل لهم الولاية على جميع أهلها، ينظرون فى تدبير الجيوش والأحكام،يعينون القضاة والحكام،ويجْبُون الخراج، ويقبضون الصدقات،ويقلدون العمال فيها،ويحمون الدين،ويقيمون حدوده، ويؤمُّون الناس فى صلاة الجمعة،الصلوات الأخرى أويستخلفون عليها، فإذا كانت أقاليمهم ثغرًا متاخمًا للعدو تولوا جهاده. وما قسمت أعمال الدولة منذ انتقالها إلى بنى العباس تقسيمها فى زمن الرشيد، ولذلك كان للخليفة وقت ليحج،ووقت ليغزو،ووقت ليصطاف فى الرقة، ويترك قصرالخلد فى بغداد. لقد كان الرشيد على أشد ما يكون من الانتباه لكل ما صغروكبرمن شئون الملك، ومن أشد الملوك بحثًا عن أسرار رعيته،وأكثرهم بها عناية،وأحزمهم فيها أمرًا؛ لذلك فما اشتعلت فتنة فى أرجاء دولته إلا أطفأها. وألغى الرشيد العُشْرالذى كان يؤخذ من الفلاحين والمزارعين بعد النصف، وكان رحمه الله يسدُّ كل خللٍ فى مملكته،ويهتمُّ كل الاهتمام بما يخفف عن الفلاحين. وقد ولّى الرشيد رجلا بعض أعمال الخراج،فدخل عليه يودعه، وعنده يحيى بن خالد البرمكى،وابنه جعفر، فقال الرشيد ليحيى وجعفر:أوصياه. فقال له يحيى:وفِّروعَمِّر. وقال له جعفر:أنصف وانتصف. فقال له الرشيد:اعدل وأَحْسِن. وكتب الرشيد إلى أحد عماله:أجْرِأمورك على ما يكسب الدعاء لنا لاعلينا، واعلم أنها مدة تنتهي،وأيام تنقضى،فإما ذكر جميل،وإما خزى طويل. ومما يعد جديدًا فى تعظيم الحكم أن قاضى الرشيد"أبا يوسف"صاحب أبى حنيفة وتلميذه كان أول من دُعى فى الإسلام قاضى القضاة(وزيرالعدل الآن)، وكان الرشيد لا يبخل بالمال فى سبيل الدولة،وقد خلف من المال-على كثرة بذله- مالم يخلف أحد مثله منذ كانت الخلافة. قال ابن الأثير:كان الرشيد يطلب العمل بآثارالمنصورإلا فى بذل المال، فإنه لم يُرخليفة قبله كان أعطى منه للمال،وكان لا يضيع عنده إحسان محسن، ولا يؤخرعنده. سياسة رشيدة وكذلك كان الرشيد حكيمًا فى سياسته كما كان حكيمًا فى إدارته، لقد بويع للرشيد عند موت أخيه الهادى،وكان أبوهما قد عقد لهما بولاية العهد معًا، ويروى أن الهادى قد حدثته نفسه بخلع الرشيد،وجمع الناس على تقليد ابنه العهد بعده، فأجابوه،وأحضر"هرثمة بن أعين"،فقيل له:تبايع يا هرثمة؟ فقال:يا أمير المؤمنين،يمينى مشغولة ببيعتك،ويسارى مشغولة ببيعة أخيك، فبأى يد أبايع؟ فقال الهادى لجماعة الحاضرين:شاهت وجوهكم،والله لقد صدقنى مولاى، وكذبتمونى،ونصحنى فغششتمونى،وسلم إلى الرشيد بحقه فى الولاية بعده. وكانت سياسة الرشيد سياسة رشيدة فى الداخل والخارج،غزا الروم حتى وصل إلى"إسكدار"من ضواحى"القسطنطينية"أيام ولايته العهد، وتغلغل مرة ثانية فى بلادهم وغزاهم فى خلافته بضع غزوات،وأخذ منهم "هرقلية"،وبعث إليه ملكهم بالجزية عن شعبه،واشترط عليه الرشيد ألا يعمر هرقلية،وأن يحمل إليه فى السنة ثلاثمائة ألف دينار. العصر الذهبى وكان"نقفور" قد نقض العهد الذى أعطته الملكة "إرينى"، التى كانت تحكم الروم قبله،وأرسل إلى هارون الرشيد رسالة يهدده فيها: "من نقفورملك الروم إلى هارون ملك العرب: أما بعد؛ فإن الملكة التى كانت قبلى أقامتك مقام الرَّخ(طائرخرافى يعرف بالقوة)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق(يعنى مقام الضعيف)،فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها،لكن ذلك لضعف النساء وحمقهن،فإذا قرأتَ كتابى هذا،فاردد ما حصل لك من أموالها،وافتدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك،وإلا فالسيف بيننا وبينك". فلما قرأ الرشيد الرسالة غضب غضبًا شديدًا حتى لم يقدرأحد أن ينظر إليه، فدعا بدواة وكتب إلى نقفورملك الروم ردّا على رسالته يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم:من هارون أميرالمؤمنين إلى نقفوركلب الروم، قد قرأت كتابك يابن الكافرة،والجواب ما تراه دون أن تسمعه،والسلام". وقاد بنفسه جيوشًا جرارة،ولقّنه درسًا لا يُنسى،فعاد إلى أداء الجزية صاغرًا، بعد أن خضع أمام قوة المسلمين وعزة نفوسهم. قال عبد الله بن يوسف التيمي : نقض الذي أعطيته نقـفور === فعليه دائرة البوار تدور أبشر أمـير المؤمـنين فإنه === غنم أتاك به الإله كبير وجاء فى فتوح البلدان للبلاذرى: "وقد رأينا من اجتهاد أميرالمؤمنين هارون فى الغزو،ونفاذ بصيرته فى الجهاد أمرًا عظيمًا، وأقام من الصناعة (الأسطول) مالم يقم قبله،وقسم الأموال فى الثغور والسواحل، وهزم الروم وقمعهم". وسمى الرشيد"جبار بنى العباس"؛لأنه أخرج ابنه القاسم للغزو سنة 181هـ، فهزم الروم هزيمة منكرة،أدخلت الرعب فى قلوبهم،فصالحه الروم على أن يرحل عنهم فى مقابل أن يعيدوا إليه كل من أسروهم من المسلمين قبل ذلك، وكان هذا أول فداء فى الإسلام بين المسلمين والروم. وأرسل"على بن عيسى بن ماهان"لغزو بلاد الترك،ففعل بهم مثلما فعل القاسم بن الرشيد بالروم،وسبى عشرة آلاف،وأسر ملكيْن منهم. ثم غزا الرشيد نفسه الروم وافتتح هرقلية،وأخذ الجزية من ملك الروم. وتوطدت الصِّلات بينه وبين"شارلمان"ملك فرنساوجرمانياوإيطالياوتبادلا السفراء،والهدايا. وفى أيامه،خرج"الوليد بن طريف الحرورى"من رءوس الخوارج سنة 178هـ/ 795م، فَقُتِل بعد أن استفحل أمره. لقد كان عصرالرشيد وابنه المأمون أرقى عصوربنى العباس قوة وعظمة وثقافة، وهو العصر الذهبى للدولة العباسية. القضاء على البرامكة وقد تحدثت الدنيا عن نكبة"البرامكة"الذين كان منهم وزيرالرشيد، وكانت لهم الكلمة العليا فى البلاد على يديه سنة 187هـ/ 803م، بعدما ظهروا ظهورًا غطى أو قارب أن يغطى على سلطة الرشيد ومكانته، وهو الخليفة. لقد أصبحوا مركزًا من مراكزالقوى فى الدولة العباسية،الأمرأمرهم، والكلمة كلمتهم،والأموال فى أيديهم،فما منعهم ذلك لأن يفسد حالهم، ويسوء سلوك أكثرهم،حتى إن الرشيد كان لا يمر ببلد أو إقليم أو مزرعة أو بستان إلا قيل:هذا لجعفر بن يحيى بن خالد البرمكى. كما قلدوه فى إنفاق الأموال والعطايا والمنح.وضاق الرشيد بالبرامكة، وعزم على أن يقضى عليهم،وتكون نكبتهم على يديه،ونودى فى بغداد: لا أمان للبرامكة إلا محمد بن خالد بن برمك وولده؛لإخلاصهما للخليفة. وكان منهم الوزراء والقادة وأصحاب الرأى،وكانوا من أصل فارسى، فلما حدث منهم ما حدث،امتنع الرشيد عن الوثوق بهم،واختاروزراءه ومستشاريه من العرب،وجعل الفضل بن الربيع الذى كان أبوه حاجبًا للمنصوروالمهدى والهادى وزيرًا له. وكان الفضل بن الربيع شهمًا خبيرًا بأحوال الملوك وآدابهم، فلما ولى الوزارة جمع إليه أهل العلم والأدب.وما زال الفضل ابن الربيع على وزارته حتى مات الرشيد سنة 193هـ/ 809م. العامة وهارون الرشيد وقبل أن ننتقل بحديثنا عن هارون الرشيد إلى غيره من الخلفاء العباسيين، تبقى كلمة لابد من قولها: فقد ارتبط اسم هارون الرشيد فى أذهان العامة بحكايات ألف ليلة وليلة، باللهو والمجون،وما كانت هذه حقيقة الرجل من قريب أو بعيد،وإنما عمد المستشرقون والمستهترون إلى تشويه صورة الرجل،لكى تبدو صورة الخلافة الإسلامية مشوهة،وأن المسلمين قوم لاهَمَّ لهم إلا إشباع غرائزهم،لا يصلحون لقيادة الأمم وعمارة الأرض. أما حقيقة هارون الرشيد،الذى أعز الله به الإسلام والمسلمين،وأذل به أعداء الدين، فهو مسلم حق،وعابد،ومجاهد بنفسه وماله فى سبيل عزة هذا الدين وإعلاء كلمة الله فى أرضه. كان الرشيد يكثرمن صلاة النافلة إلى أن فارق الدنيا،وكان يتصدق وينفق على الحجيج من صلب ماله،وكان يحب الشعروالشعراء،ويميل إلى أهل الأدب والفقه، ويكره المراء فى الدين،ويسرع الرجوع إلى رحاب الحق إذا ذكر. حدث أنه حبس أبا العتاهية الشاعر،ووكَّل به رجلا يكون قريبًا منه لينظرما يقول ويصنع، فكتب أبو العتاهية على الحائط: أما والله إن الظلم لــــؤم وما زال المسىء هو الظلـوم إلى ديان يوم الدين نمضـى وعند الله تجتمع الخصــوم فجاء الرجل فأخبرهارون الرشيد،فبكى الرشيد،وأطلق أبا العتاهية واعتذرإليه واسترضاه. وحج ذات مرة،فرآه الناس وقد تعلق بأستار الكعبة يقول: "يا من يملك حوائج السائلين،ويعلم ضميرالصامتين،صلّ على محمد وعلى آل محمد،واغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا؛يا من لا تضره الذنوب،ولا تخفى عليه العيوب،ولا تنقصه مغفرة الخطايا،صلّ على محمد وعلى آل محمد، وخِره لى فى جميع أمورى.يامن خشعت له الأصوات بأنواع اللغات،يسألونه الحاجات،إن من حاجتى إليك أن تغفر لى ذنوبى إذا توفيتنى،وصُيِّرت فى لحدى، وتفرق عنى أهلى وولوا؛اللهم لك الحمد حمدًا يفضل كل حمد،كفضلك على جميع الخلق؛اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون له رضا،وصلّ عليه صلاة تكون له ذخرًا،واجزه عنا الجزاء الأوفى. اللهم أحينا سعداء،وتوفنا شهداء،واجعلنا سعداء مرزوقين، ولا تجعلنا أشقياء مرجومين". هذا هوهارون الرشيد،الصورة المضيئة لخليفة المسلمين. والمسلم المحتذى به فى الأمور،ويكفيه شرفًا أنه ما مات حيث مات إلا وهو خارج إلى الرى فى موكب الجهاد لنشر الدين وحماية أرض الإسلام، فرحمة الله عليه. ويأتى بعد عصر الرشيد عصرَا ولديْه الأمين والمأمون. | ||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 18 | ||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
رحماك ربي المنتدى :
منتديات اسلامية ![]() خلافة الأمين (193-198هـ - 809-814م) الأمين بن هارون الرشيد ولد سنة 170هـ/ 787م ببغداد، أمه"زبيدة"بنت جعفربن المنصور، فليس فى خلفاء بنى العباس مَنْ أمه وأبوه هاشميان غيرالأمين. بينما أخوه"المأمون"والذى كان يكبره بستة شهور فكانت أمه فارسية ماتت بعد ولادته. غزو الروم وكان الرشيد قد عهد بولاية العهد للأمين وللمأمون من بعده. وليس فى خلافة الأمين والتى دامت قريبًا من خمس سنوات 193-198هـ /809 - 814م شىء يذكر،غيرأنه أعطى المجاهدين مالاعظيمًا ووجه جيشًا تابعا له لغزو الروم،وأعطى مدن الثغور المواجهة للروم شيئًا من عنايته، فأمرفى سنة 193هـ/ 809م ببناء مدينة"أذنة"وأحكم بناءها وتحصينها، وندب إليها الرجال لسكناها،أما فيما عدا ذلك،فقد مرت خلافته فى صراع بينه وبين أخيه المأمون من أجل الخلافة،انتهى بقتل الأمين وانفراد المأمون بالحكم، وكان الأمين قد تلقى علوم الفقه واللغة من الكسائى،وقرأ عليه القرآن. مقتل الأمين ونشبت حروب بين الأمين والمأمون بسبب رغبة الأمين فى خلع أخيه من ولاية عهده وتولية ولده مكانه،ورفض المأمون ذلك،فشجعه قادته حتى استعرت الحرب بين الأخوين،وانتهت بانتصارالمأمون وقتل الأمين سنة198هـ. خلافة المأمون (198-218هـ - 814-833م) أصبح الأمر فى المشرق والمغرب تحت سلطان المأمون وهو سابع خلفاء بنى العباس،لقد كان المأمون فى ذلك الوقت واليًا من قبل والده على"خراسان"وكان يقيم فى عاصمتها "مرو"،وكان من الطبيعى أن يفضِّلها بعد أن انفرد بالخلافة. إنها تضم أنصاره ومؤيديه،فهو هناك فى أمان واطمئنان،وكان الفرس يودون أن يبقى "بمرو" لتكون عاصمة الخلافة،ولكنها بعيدة عن مركزالدولة،وهى أكثراتجاهًا نحو الشرق،مما جعل سيطرتها على العرب ضعيفة،بل إن أهل بغداد أنفسهم دخلوا فى عدة ثورات ضد المأمون؛حتى إنهم خلعوه أخيرًا،وبايعوا بدلاً منه عمه إبراهيم بن المهدى. واضطرالمأمون أخيرًا أن يذهب إلى بغداد وأن يترك"مرو"للقضاء على هذه التحركات فى مهدها. الإحسان إلى الشيعة كان معظم أعوان المأمون من الفرس،ومعظمهم من الشيعة،ولهذا اضطرالمأمون لممالأه الشيعة وكسبهم إلى جانبه،فأرسل إلى زعماء العلويين أن يوافوه فى عاصمته(وكانت مرو فى ذلك الوقت)،فلما جاءوه أحسن استقبالهم، وأكرم وفادتهم،وما لبث بعد قليل أن عهد بولاية العهد إلى"على الرضا" وهى طبعًا خطوة جريئة؛لأن فيها نقلا للخلافة من البيت العباسى إلى البيت العلوى. ولم يكتفِ بهذا،بل غيرالشعارمن السواد وهو شعارالعباسيين إلى الخضرة وهى شعارالعلويين. ورغم اعتراض أقاربه من العباسيين،فإن المأمون كان مصرًّّا على هذا الأمر، إذ كان يعتقد أن ذلك من برعلى بن أبى طالب -رضى الله عنه-. وجاءت عمة أبيه زينب بنت سليمان بن على،وكانت موضع تعظيم العباسيين وإجلالهم،وهى من جيل المنصور، وسألته:ما الذى دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت على؟ فقال:يا عمة،إنى رأيت عليّا حين ولى الخلافة أحسن إلى بنى العباس، وما رأيت أحدًا من أهل بيتى حين أفضى الأمر إليهم(وصل إليهم) كافأه على فعله،فأحببت أن أكافئه على إحسانه. فقالت:يا أميرالمؤمنين إنك على بِرِّبنى علىّ والأمر فيك،أقدر منك على برهم، والأمر فيهم. ولكن لم يلبث"على الرضا"أن مات وكان ذلك فى سنة 203هـ/ 819م، وعلى كل حال لقد استطاع المأمون ببيعة"على الرضا"أن يقوى من سلطانه؛ لأنه بهذه البيعة أمن جانب العلويين.ولكن قامت ضد الخليفة المأمون ثورات عديدة اختلفت فى مدى عنفها وشدتها،واستطاع القضاء عليها جميعًا. ثورة مصر وكان أخطرهذه الثورات جميعًا ثورة مصر؛ذلك أن جند مصركانوا قد اشتركوا فى خلافات الأمين والمأمون كل فريق فى جانب،وبعد أن انتهى الخلاف بفوز المأمون، ظل الخلاف قائمًا بين جند مصر،وأصبح موضع الخلاف التنافس على خيرات مصر، فكان الجند يجمعون الخراج لا ليرسل للخليفة، بل ليحتفظوا به لأنفسهم. وقد قامت جيوش المأمون كثيرًا بمحاربتهم مع أهل مصرالذين شاركوا فى هذه الثورات،ولكن هذه الثورات ما لبثت أن أشعلت من جديد حتى أرسل إليهم جيشًا ضخمًا،فاستطاع القضاء على الثورة نهائيًا،كما تمكن قائده"طاهربن الحسين" من القضاء على ثورات العرب أنصارالأمين، وهكذا سيطرعلى الدولة سكون وهدوء. انتشار الإسلام وكان المأمون يكتب إلى عمّاله على خراسان فى غزو من لم يكن على الطاعة والإسلام من أهل ما وراء النهر،ولم يغفل المأمون عن قتال الروم،بل غزاهم أكثر من مرة،وخرج بنفسه على رأس الجيوش الإسلامية لغزو الروم سنة 215هـ/830م،فافتتح حصن"قرة"وفتح حصونًا أخرى من بلادهم، ثم رحل عنها،وعاود غزو الروم فى السنة الثالثة سنة 216هـ،ففتح"هرقلة" ثم وجّه قواده فافتتحوا مدنًا كبيرة وحصونًا،وأدخلوا الرعب فى قلوب الرومان، ثم عاد إلى دمشق،ولما غدرالروم ببعض البلاد الإسلامية غزاهم المأمون للمرة الثالثة وللعام الثالث على التوالى سنة 217هـ، فاضطرالروم تحت وطأة الهزيمة إلى طلب الصلح. يرحم الله المأمون،لقد كان عصره من أزهى عصورالثقافة العربية. أخلاق المأمون كان يقول:أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أؤجر عليه،ولوعرف الناس مقدارمحبتى للعفو؛ لتقربوا إلى بالذنوب! وقال:إذا أصلح الملك مجلسه،واختارمن يجالسه؛صلح ملكه كله. ورفع إليه أهل الكوفة مظلمة يشكون فيها عاملا؛ فوقَّع:عينى تراكم،وقلبى يرعاكم،وأنا مولّ عليكم ثقتى ورضاكم.وشغب الجند فرفع ذلك إليه،فوقَّع:لا يعطون على الشغب،ولا يحوجون إلى الطلب. ووقف أحمد بن عروة بين يديه،وقد صرفه على الأهواز،فقال له المأمون: أخربتَ البلاد،وأهلكت العباد فقال:يا أمير المؤمنين،ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفتَ بين يديه، وقد قرعك بذنوبك؟ فقال:العفو والصفح. قال:فافعل بغيرك ما تختارأن يفعل بك. قال:قد فعلت.. ارجع إلى عملك فوالٍ مستعطِف خير من وال مستأنف. وكتب إلى على بن هشام أحد عماله،وقد شكاه غريم له: ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريًا، وجارك طاويًا. وهكذا كان المأمون..حتى لقد وصفه الواصفون بأنه من أفضل رجال بنى العباس حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا ودهاءً،وقد سمع الحديث عن عدد كبير من المحدّثين،وبرع فى الفقه واللغة العربية والتاريخ،وكان حافظًا للقرآن الكريم. النهضة العلمية جاء فى كتاب قصة الحضارة:أنه أرسل إلى القسطنطينية وغيرها من المدن الرومانية يطلب أن يمدوه بالكتب اليونانية،خاصة كتب الطب والعلوم الرياضية، وعندما وصلت هذه الكتب إلى أيدى المسلمين قاموا بترجمتها وفحصها ودراستها، وأنشأ المأمون فى بغداد "بيت الحكمة"سنة 214هـ/829م، وهو مجمع علمى،ومكتبة عامة،ومرصد فلكى،وأقام فيه طائفة من المترجمين، وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال،فاستفاد المسلمون من هذه الكتب العلمية، ثم ألفوا وابتكروا فى كافة العلوم،التى أسهمت فى نهضة أوروبا يوم أن احتكت بالعرب فى الحروب الصليبية وغيرها. وكان للمدارس التى فتحها المأمون فى جميع النواحى والأقاليم أثرها فى نهضة علمية مباركة. إلا أن الاطلاع على بعض فلسفات الأمم الأخرى قد جعل العقل يجتهد فى أمور خارج حدوده وتفكيره،ومن هنا نشأ الفكرالاعتزالى الذى يُعْلى من قيمة العقل، ويجعله حكمًا على النص دون حدود أو قيود. الإسلام قد رفع من العقل،لكنه حدد له حدودًا يعمل فيها. لقد سمح المأمون لأولئك الذين اعتمدوا على العقل والمنطق فى كل شىء بالتعبير عن آرائهم،ومعتقداتهم،ونشر مبادئهم من غيرأن يتقيدوا بقيد أو يقفواعند حد، فكان هذا من سوءاته التى أحدثت بين علماء المسلمين فتنة دامت تسع عشرة سنة، إلى أن شاء الله تعالى لتلك الفتنة أن تخمد،ولقد وصف الإمام السيوطى المأمون بقوله:"إنه كان من أفضل رجال بنى العباس لولا ما أتاه من محنة الناس". وانتقل المأمون إلى مولاه -سبحانه وتعالى- بعد حياة حافلة بالإنجازات فى مختلف نواحى الدولة. يُتبع إن شاء الله ،،، | ||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
للأسرة, موسوعة, المسلمة, الإسلامى, التاريخ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
| |